رغم أن البعض قد ينظر لفكرة عمل موقع خمسات ببعض السطحية، لكن في هذا الموقع الكثير ليتعلمه كل من ينظر لأعمق من سطح الأمور. مؤخرا أرسل لي عدة مشتركين في خمسات، يشكون من تقليد الكثيرين لما يقدمونه من خدمات، وفي بعض الأحيان كانوا ينسخون الكلمات والصور والأخطاء اللغوية كما هي. طالبت رسائل الشكوى بحذف خدمات المقلدين، وهو ما رفضته.
سبب رفضي هو أن أي نشاط تجاري يدخله أي عصامي أو تاجر أو موظف، سيجد آخرين يقلدونه فيه في حال نجح. التغلب على هذا التقليد يقتضي أن تقدم ما هو فريد، والأهم، ما يصعب تقليده. للاستمرار في التقدم على المنافسين، لا بد وأن يكون لديك خطوة واثنتان وثلاث خطوات في المستقبل، بحيث إذا لحق بك منافس، سبقته بخطوة، وهكذا. إذا أردت النجاح، عليك أن تجعل منافسيك يلهثون ورائك، ولا تترك لهم فرصة ليرتاحوا، هكذا قضت أحوال السوق والتجارة.
الآن، هب أن البائع في خمسات لم يستوعب هذا الدرس، وخرج إلى معترك الحياة، وقرر مثلا الاقتراض من البعيد والقريب، والصديق والغريب، وقرر بناء مصنع بملايين، ويوم أن خرج منتجه الأول وبدأ مشوار التسويق والإعلان له لبيعه، فوجئ بالصدمة الشديدة، فهناك مستوردون في السوق يوفرون منتجات مماثلة وبأسعار أقل. الآن، أيهما أهون وأسهل في التعافي منه، أن تجد المنافسين يقلدونك في خمسات، أم في المثال الثاني؟
إذا تعلمت الدرس من خمسات، فستقدم مزايا يصعب تقليدها، وهكذا الحياة والواقع العملي. إذا كنت تقدم خدمة أو تبيع منتجا، اجعل فيه من المزايا ما يصعب تقديم مثلها، وكل أدرى بما يقدمه. إذا لم تتمكن من تقديم الفريد، فلا تقتحم هذا المعترك وابحث عن مجال لك فيه ميزة نسبية. لم تقتنع بعد؟ دعنا نسرد بعض التجارب من التاريخ القريب.
قبل نجاح آيفون، رائد الهواتف النقالة العاملة بلمسات الأنامل، كان التوجه في السوق للهواتف العاملة بأقلام التأشير البلاستيكية. بعد نجاح آيفون انقلب الوضع ولم تعد تجد أي اهتمام بهواتف التأشير التي كانت شهرتها تصم الآذان.
هل تذكرون هواتف آيميت i-mate التي اختفى صاحبها بعدما توالت عليه الخسائر. كانت آلية عمل شركة آيميت تقوم على الاتفاق مع شركة مجهولة في الشرق الأقصى، تصنع هواتف نقالة تعمل بشاشة اللمس، وتضع اسم آيميت عليها، وتنقلها الشركة للمنطقة العربية وبقية دول العالم وتبيع. مع نجاح الشركة الكبير، وبيع الوفير من الهواتف، قررت الشركة المصنعة التوقف عن لعب هذا الدور، والدخول بهواتف تحمل اسمها، وتخارجت من اتفاقها مع شركة آيميت. لم تجد آيميت شركة واعدة أخرى تكرر معها صنيعها السابق، فخسرت وأفلست.
ثم نأتي إلى شركة HTC والتي كانت تصنع هواتف آيميت، وهي حققت نجاحا سريعا طاغيا، بهواتفها وكانت ذات يوم تقود السوق، حتى عكر صفو أيامها هاتف اسمه آيفون، وبدلا من تقليد سامسونج وصديقه ل ج، تلكأت فخسرت حصة كبيرة من السوق.
ما المشترك في هذه القصص؟ شركات كبيرة قامت على بيع منتجات يمكن تقليدها بسهولة أو النيل منها دون مشقة. ربما لو كان هذا المؤسس أو ذاك باع خدماته في موقع مثل خمسات، وعاني من المقلدين، لأدرك أن عليه تقديم الفريد صعب التقليد، ولعرف أن تنفيذ ذلك يتطلب البناء على أسس صحيحة، طويلة المدى.
حين تواجه مشاكل ذات آثار يمكن احتوائها، بدون خسائر مؤلمة أو ديون، وأنت في سن صغير، فهذه نعمة متخفية، تستوجب الحمد. إن موقع خمسات ليس هدفه ربح الدولارات وحسب، بل الخبرات. خمسات مثل المدرسة، يعدك للحروب التجارية الحقيقية في الحياة.
على الجانب:
نقطة الضعف في حالة شركة آيميت كانت أنها بائع لا صانع. البائع كي يحصل على الحق الحصري، عليه أن يدفع الكثير، أو يشتري من يصنع له. نقطة الضعف في حالة HTC أنها ظنت السوق يسير في اتجاه واحد يمكن التنبؤ به، وأن الناس لن تتحول لاستخدام آيفون وأشباهه. كان عليها أن تنظر لبعيد وتستعد ليوم تتغير في أحوال السوق، وأن تستعد للتغير.
نعم، وفق هذا المنظور، فشركة سامسونج في خطر، فهي معروف عنها التقليد لا الابتكار إلا فيما ندر، ويكفي أنها تصنع شاشات هاتف آيفون الجديد، فيما هواتفها هي لا تملك تقنيات مثل المستخدمة في شاشات آيفون. من يظن شركات عملاقة مثل سامسونج في مأمن من الخسارة، أذكره بما قيل عن نوكيا ذات يوم، وأين هي الآن. نجاح سامسونج مرهون بما في جعبتها من أفكار للغد، ذاك الغد المتقلب الذي لا يعرف أحد كيف يتنبأ به، ولا أنا.
المصدر: وكالات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق